القائمة الرئيسية

الصفحات

 وجوب شكر الله تعالى على نعمة الأمن والأمان

الحمدالله رب العلمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ...

أَمَّا بَعْدُ : فأوصيكم أيها الناس وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : مِنْ أَجَلِّ الْعِبَادَاتِ ، وَأَعْظَمِ الطَّاعَاتِ : شُكْرُ رَبِّ الْبَرِيَّاتِ ؛ الَّذِي وَعَدَ سُبْحَانَهُ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ ، وَالْعَذَابَ لِمَنْ كَفَرَ، فَقَالَ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}

وَشُكْرُ الْمُنْعِمِ الْمُتَفَضِّلِ مِنْ كَمَالِ الإِيمَانِ ، وَحُسْنِ الإِسْلاَمِ ، وَسَبَبٌ عَظِيمٌ لِكَسْبِ رِضَا رب العالمين .

وَالشَّاكِرُونَ هُمُ الْفَائِزُونَ بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾

وَالشَّاكِرُونَ هُمُ النَّاجُونَ مِنْ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا ، وَمِنْ كُرُبَاتِ الآخِرَةِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ قَوْمِ لُوطٍ : ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ﴾

وَالشُّكْرُ مَقَامُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ، ومنهج عِبَادِ اللهِ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ عليه الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ : ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾  وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ، وَقَالَ تَعَالَى : ﴿يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾

وَتَقُولُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ! تَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاكَ ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟! قَالَ : « أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» متفق عليه

وَمِنَ النِّعَمِ الَّتِي تُذْكَرُ وَلاَ تُنْكَرُ، وَتُشْكَرُ وَلاَ تُكْفَرُ ، مَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ نِعْمَةِ التَّوْحِيدِ ؛ فَإِنَّ نِعْمَةَ التَّوْحِيدِ نِعْمَةٌ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ ، وأوفى المنن ، وَهِيَ سَبَبُ الْفَلاَحِ وَالنَّجَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} 0

وَكَذَلِكَ نِعْمَةُ التَّوْفِيقِ إِلَى التَّمَسُّكِ بِسُنَّةِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْنَا لَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ أَوِ الْبِدَعِ نَعْبُدُ الْقُبُورَ، و نَسْأَلُ الأَمْوَاتَ ، أَوْ نَسْتَحِلُّ الدِّمَاءَ الْمَعْصُومَةَ ، أَوْ نَشُقُّ عَصَا الطَّاعَةِ ، نَسْأَلُ اللهَ الثَّبَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ.

فكان لنا من ثمار هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ وَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُمَا نَعِيشُهُ وَاقِعًا فِي بِلاَدِنَا مِنْ نِعْمَةِ الأَمْنِ وَالسَّكِينَةِ، والراحة وَالطُّمَأْنِينَةِ ، الَّتِي نَتَفَيَّأُ ظِلاَلَهَا فِي هَذِهِ الْبِلاَدِ الْمُبَارَكَةِ ، مُنْذُ قَرَابَةِ تِسْعِينَ عَامًا ، بَعْدَمَا عَانَتْ أَحْقَابًا مِنَ الْفُرْقَةِ وَالْفَوْضَى، وَدُهُورًا من الْخَوْفِ وَالْفِتَنِ ، وَسَفْكِ الدِّمَاءِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ.

تَوَحَّدَتْ صُفُوفُنَا ، وَاجْتَمَعَتْ كَلِمَتُنَا مَعَ وُلاَةِ أَمْرِنَا ، فَعَمَّ أَمْنُنَا وَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. 

فَاحْمَدُوا اللهَ عَلَى نِعْمَةِ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعْمَةِ اتحاد الصف واجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ ، وَكُونُوا يَدًا وَاحِدَةً ، وَصَفًّا وَاحِدًا مَعَ وُلاَةِ أَمْرِكُمْ فِي السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَحِفْظِ أَمْنِ الْبِلاَدِ ، وَإِبْعَادِ كُلِّ شَرٍّ عَنْهَا ، وَاعْتَبِرُوا بِمَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْبِلاَدِ الَّتِي سَقَطَتْ حُكُومَاتُهَا ، أَوْ ضَعُفَتْ وَوَهَنَتْ ، فَتَسَلَّطَتْ عَلَيْهِمُ الْعِصَابَاتُ وَالأَحْزَابُ وَالْفَصَائِلُ ! تَزْهَقُ أَرْوَاحَهُمْ ، وَتَسْلُبُ أَمْوَالَهُمْ ، وَتَنْتَهِكُ أَعْرَاضَهُمْ ، وَتَسْتَبِيحُ حُرُمَاتِهِمْ ، وَتُشَرِّدُهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ ، وَتُمَزِّقُهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ، وَتَفْعَلُ بِهِمُ الأَفَاعِيلَ.

نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ سَلْبِ النِّعَمِ ، وَحُلُولِ النِّقَمِ ، وَتَحَوُّلِ الْعَافِيَةِ وَسُوءِ الْعَاقِبَةِ ، وَنَسْأَلُهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ ، وَالتَّوْفِيقَ لِشُكْرِهِ ، وَحُسْنَ الْقِيَامِ بِحَقِّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ ؛ بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبةُ الثانيةُ:

أمَّا بعدُ: فاتَّقوا الله يا مؤمنونِ وأطيعُوه ، واتَّبعوا أمرَهُ وَلا تَعْصُوهُ.

أيها المسلمون : حينَ يُولَدُ إنسانٌ في أرضٍ وَينْشَأُ فيها ، فإنَّ فِطرَتَهُ تَربِطُهُ بِحُبِّها ! فهذا رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُعلِن عن حُبِّه لوطَنِه مكَّةَ ، وهو يُغادِرَهَا مُهَاجِرَاً بِأَمْرٍ مِنَ اللهِ فَيَقُولُ : «واللهِ ، إنَّكِ لأَحَبُّ البِقَاعِ إلى اللهِ وَأَحَبُّ البقاعِ إليَّ ، وَلَولا أَنِّي أُخرِجتُ مِنْكِ مَا خَرَجتُ». وَلَمَّا عَلِمَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أنَّه سَيَبْقَى في الْمدينةِ دَعَا اللهَ أنْ يُحَبِّبَهَا إليه. فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ ، وَصَحِّحْهَا لَنَا ، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا".

قالَ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ : "وفيه دلالةٌ على مَشرُوعيةِ حُبِّ الوَطَنِ والْحَنِينِ إليه".

أيُّها الْمُسلِمُونَ : وإذا كان حُبُّ الْوَطَنِ في كلِّ البُلدَانِ ! فَمَا بَالُكُمْ بِبَلَدِ التَّوحيدِ والعَقِيدةِ ، وَمَهْبِطِ القرآن والسنة.

عِبَادَ اللهِ : حُبُّ الْوَطَنِ لا يحمِلُنا على عصبِيَّةٍ لِلتُّرابِ والطِّينِ ، والجِنْسِ والُّلغةِ ، على حِسَابِ العقيدةِ والدِّينِ ، ولا يحمِلُنا على غَمْطٍ للِأُخوُّةِ الإسلاميَّةِ ،التي تَتَسَامَى عن الْحُدودِ الْجُغرَافِيَّةِ والنَّظراتِ الإقليميَّة. فقد قالَ أَصْدَقُ القائِلينِ :(وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ). في صَحيحِ الْجَامِعِ أَنَّ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قالَ: (إِنَّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ ، النَّاسُ بَنُو آدَمَ ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ ، لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْخَرُونَ بِرِجَالٍ ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تُدْفَعُ بأنفها النتن ». ولا يَحمِلُنا كذلكَ أن نُجَسِّدَ حُبَّ الوَطَنِ في زَمَنٍ مَحدُودٍ ، أو بِطُقوسٍ مُعَيَّنةٍ فذالِكُم الْمَحذُورُ! فذالِكُم الْمَحذُورُ!

عبادَ الله: مِن حقِّ أوطانِنِا علينا أنْ نكونَ لِتحقيقِ مَصالِحها سُعاةً ، ولِدَرءِ الْمَفَاسِدِ عنها دُعاةً ، ولأمنِها واستقرارِها حُماةً ، فما عُمِرتِ الأَوطَانُ بِمِثْلِ تَحكِيمِ الشَّريعةِ ، قالَ اللهُ تعالى:(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ).

أيها المسلمون : مَن يُحِبُّ الوَطَنَ حَقِيقَةً ، لا تَرَاهُ إِلاَّ حَرِيصًا عَلَى أَمنِهِ ، مُطِيعًا و نَاصِحًا لِقَادَتِهِ ، حَرِيصًا عَلى أَنظِمَةِ بَلَدِهِ ، فَنحنُ مُجتَمَعٌ كَسَّفِينَةٍ واحدَةٍ ، فَلْنَلزَمْ شُكْرَ اللهِ فَإِنَّهُ قَيدٌ للنِّعمِ ، وَسَبَبٌ لازدِيَادِهَا :( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). فَاللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بكَ مِن زَوَالِ نِعْمَتِكَ ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.

تعليقات