التشبه بالكفار وحضور أعيادهم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ، واستمسكوا بدينكم ، وارفعوا به رؤوسكم ؛
فإنّه الحق من ربكم ، قال الله تعالى : ( ( إنّ الدين عند الله الإسلام ) ) ، وقال
سبحانه : ( ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )
) ، وقال تعالى : ( ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) ) .
أيها
المؤمنون :
إن
الله -عز وجل- هدانا صراطا مستقيما ، وهو صراط الصفوة الأخيار من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين ، وجاءت شريعة الإسلام لتقيم لنا هديا مخالفا لهدي الكفار من
أهل الكتاب وغيرهم ، فشريعتنا متبوعة لا تابعة ، وناسخة لا منسوخة ، قال الله عز
وجل- : ( ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون
) ) . والمسلم يصلي لربه -عز وجل وفي كل ركعة يسأله أن يدله ويثبته على هذا الصراط
المستقيم ، وأن يجنبه صراط المغضوب عليهم كاليهود ومن شابههم في العلم بالحق
ومخالفته ، وأن يجنبه صراط الضالين كالنصارى ومن شابههم في العمل بلا علم . ففي كل
ركعة نتبرأ ونستعيذ بالله من مشابهة الكافرين . أيها المؤمنون .. وقدر الله تعالى
على بعض هذه الأمة أنهم يحيدون عن صراطهم المستقيم ، ويتبع بعض أفرادها أعداءهم في
كل جليل وحقير ،
وكبير
وصغير ؛ فقد روى أبوسعيد الخدري - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
أنه قال : " لتتبعن سنن من قبلكم ، شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتى لو سلكوا
جحر ضب لسلكتموة " ، قلنا : " يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟! "
، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فمن ؟! " ؛ متفق عليه . وفي
فترات ضعف الأمة تزداد تبعية كثير من أفرادها للأمم الأقوى ، وكما قيل : الأمة
القاهرة تتبعها الأمة المقهورة ، وأفراد المجتمع المغلوب مولعون بتقليد أفراد
المجتمع الغالب ومحاكاتهم في شعائرهم وعاداتهم ؛ ذلك أن النفس تعتقد الكمال فيمن
غلبها وانقادت إليه .. وتلك سنة كونية تظهر لمن قرأ التاريخ . عباد الله : لقد
جاءت النصوص الشرعية بالنّهي القاطع عن التشبه بالكافرين فيما هو من خصائصهم فعن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من تشبه بقوم فهو منهم "
؛ أخرجه أبو داؤد .
قال
شيخ الإسلام : " وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإن كان
ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم ، كما في قوله : | ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) [
المائدة : 51 ] " . اهـ .
ومن
اطلع على نصوص النّهي عن التشبه بالكافرين ، اشتد عجبه من كثرتها في الكتاب والسنة
، ومن التشديد في ذلك ، فلماذا كل هذا ؟! إن السبب في ذلك أن موافقتهم في العادات
تقود إلى موافقتهم في الشعائر والعبادات ، وأنّ التساهل في عدم مخالفتهم في
الصغائر يؤدي إلى متابعتهم في الكبائر ؛ حتى ينسلخ المسلم من دينه وهو لا يشعر ،
خاصة مع الإعجاب بهم وبمنجزاتهم وحضارتهم وقوتهم . يقول شيخ الإسلام : " إنّ
المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبا وتشاكلًا بين المتشابهين ، يقود إلى موافقة
ما في الأخلاق والأعمال ، وهذا أمر محسوس " . اهـ .
ويقول
رحمه الله : " وكذلك تجد أرباب الصناعات الدنيوية ، يألف بعضهم بعضا ، ما لا
يألفون غيرهم ، فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة ، فكيف
بالمشابهة في أمور دينية ؟!" . اه . نسأل الله تعالى أن يهدينا صراطه
المستقيم ، وأن يعصمنا من التشبه بالكافرين ، وأن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع
مجيب ، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ؛ إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد : أيها
المؤمنون .. ها هو العالم النصراني ، يحتفل هذه الأيام بعيد ميلاد المسيح عليه
السلام ، بحسب ما يدينون به في ملتهم المحرفة ، حيث يعتقدون أن عيسى عليه السلام ،
هو الرب ، أو ابن الرب ، كما قال تعالى :
((
لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم » ، وكما قال تعالى : « وقالت
النصارى المسيح ابن الله ﷺ ، تعالى الله عما يقولون علو كبيرا . فهل يعقل -أيها
المؤمنون- أن يحتفل المسلم معهم بهذا العيد أو يهنئهم بهذا اليوم الذي يعتقدون أن
الله -سبحانه- قد ولد فيه ؟! . كلنا نحفظ قول الله تعالى : ( ( لم يلد ولم يولد *
ولم يكن له كفواً أحد ) ) .. فتعالى الله عما يقولون علو كبيرا . واعلموا - رحمكم
الله - أنّ الله تعالى مدح المؤمنين بعدم شهودهم أعياد الكفار التي هي من الزور ،
قال سبحانه : ( ( والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ) ) [
الفرقان : ۷۲ ] . قال جماعة من المفسرين : " هو أعياد المشركين " ، وقال
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " إياكم ورطانة الأعاجم ، وأن تدخلوا على
المشركين يوم عيدهم في كنائسهم ؛ فإن السخطة تنزل عليهم " .
يقول
شيخ الإسلام ابن تيمية : " إن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي
قال الله سبحانه : ( لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه ) [ الحج : 67 ] ، گالقبلة
والصلاة والصيام ، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد ، وبين مشاركتهم في سائر المناهج
" . اهـ .
إذا
تقرر هذا - أيها الإخوة - فإن التهنئة بأعياد الكفار لا تجوز ، سواء هنأ به
المسلمين أم هنا به الكفار .
قال
الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - : " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة
به ، فحرام بالاتفاق ؛ مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول : عيد مبارك عليك ، أو
: تهنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات ، وهو
بمنزلة أن تهنئه بسجوده للصليب ، بل ذلك أعظم إنما عند الله ، وأشد مقتا من
التهنئة بشرب الخمر ، وقتل النفس ، وارتكاب الفرج المحرم ونحوه ، وكثير من لا قدر
للدين عنده يقع في ذلك ، ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنّأ عبدا بمعصية أو بدعة أو
كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه " . اهـ .
فالمسألة
خطيرة ، ولا يقلل خطورتها كثرة الواقعين فيها ، وهذا من البلاء الذي ابتلي به
المسلمون في زماننا ولا حول ولا قوة إلا بالله .
عباد
الله .. وإن من نعمة الله تعالى علينا في بلادنا عدم ظهور الاحتفالات بأعياد
الكفار ومنعها لمخالفتها لديننا ومبادئنا الإسلامية ، فنحمد الله تعالى أن وقانا ،
ونسأله أن يحفظنا ما بقينا ، وأن يزيدنا من فضله ، وأن يوفق ولاة الأمر ويسددهم
ويعينهم في كل ما فيه مصلحة العباد والبلاد والإسلام والمسلمين . ثم صلوا وسلموا
على محمد بن عبد الله كما أمركم بذلك ربكم .. اللهم صل على محمد ...
تعليقات
إرسال تعليق